ثقافة فيـلم «النجاح ـ نساء شجاعات» لشيراز البوزيدي: تونسيات على بطاقات الهوية ومهمشات على لافتات الحياة
«ما تلفتلنا حد... مشنا توانسة»، «وجه الحاكم ما نعرفوهش»، «مانخافش من الموت».. تلك بعض التعابير التي جاءت على لسان الشخصية الرئيسية لفيلم «النجاح ـ نساء شجاعات» والتي تعكس الواقع المرير الذي تعيشه هذه المرأة ومن خلالها عدد من متساكني منطقة «النجاح» -التي لا تبعد سوى كيلومترين عن مدينة سليانة- بعد ان تجاهلتهم الدولة وقست في وجوههم الحياة.
في فيلم «النجاح» وهو من النوع الوثائقي، سلطت كاميراه المخرجة شيراز البوزيدي الأضواء على فئة من العائلات الكادحة التي ترتزق من مصب الفضلات الموجود بالجهة.. فرغم الروائح الكريهة والمخاطر البيئية التي تتربص بصحتهم، تجازف عشرات النساء والرجال يوميا بحياتهم في «المصب» لجمع قوارير البلاستيك المستعملة وبيعها في نهاية الشهر لشركات رسكلة. وهكذا يمثل «المصب» مصدر الرزق الأساسي لعدد من أهالي الجهة حيث تندر فرص الشغل فضلا عن انعدام مقومات الحياة الكريمة.
وتكشف كاميرا شيراز البوزيدي من خلال عملها السينمائي الذي يقترب من الجنس الصحفي، واقع عائلات تعيش في مهب الريح، عائلات لم تجد من حلّ لتوفير قوتها وتأمين الدراسة لأبنائها إلاّ أن تستنبط وسيلة تمّكنها من تجاوز ضيم الظروف، فوجدتها في مصب الفضلات وذلك رغم المخاطر التي تحف بحياة «النباشين.»
تتكلّم الشخصية الرئيسية في الفيلم فتكشف صعوبة الواقع، وضنك العيش اذ لا تتجاوز المداخيل التي تحصل عليها بعد شهر من العمل 180 دينارا هذا اذا لم تصب بمرض ولم تغب عن الشغل... وإلى جانب ضيق ذات اليد، يتجلى بوضوح تجاهل السلط لواقع هذه العائلات، فلا تغطية اجتماعية ولا مستوصف ولا مراقبة صحية. تونسيون بالإسم وعلى بطاقات الهوية ومنسيون ومهمشون على لافتات الحياة.
وأمام غابة عجز الدولة، تنبت شجرة صمود المواطنين، إذ تقول الشخصية الرئيسية للشريط إنّها مستعدة للتضحية من أجل بناتها ومن أجل توفير أفضل الظروف لهن حتى يتمكنّ من إتمام دراستهن وتغيير واقعهن. ويُبرز الشريط شهامة هؤلاء النسوة وشجاعتهن في مواجهة وضع مرير، فيتحدينه مجازفات بصحتهن وحياتهن من أجل تحقيق هدف واحد وهو تعليم فلذات أكبادهن وتوفير ظروف أفضل لعيشهن...
في «النجاح»، إرتكزت شيراز البوزيدي على ثنائية الألم والأمل، ألم فئة من التونسيين اضطرت للنبش في «مصب» الفضلات لتأمين قوتها اليومي من جهة، والأمل في حياة أفضل من جهة أخرى. ثنائية أكدت مرة أخرى دور السينما في خدمة القضايا الإنسانية وفي إبراز واحدة من اهم خصال الإنسان وهي قدرته على الصمود والتأقلم مهما كانت العقبات.
شيراز بن مراد